فصل: شأن إبراهيم بن عبد الله وظهوره ومقتله.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.شأن إبراهيم بن عبد الله وظهوره ومقتله.

كان إبراهيم بن عبد الله أخو المهدي محمد قد اشتد الطلب عليه وعلى أخيه منذ خمس سنين وكان إبراهيم يتنقل في النواحي بفارس وبكرمان والجبل والحجاز واليمن والشام وحضر مرة مائدة المنصور بالموصل وجاء أخرى إلى بغداد حين خطها المنصور مع النظار على قنطرة الفرات حين شدها وطلبه فغاض في الناس فلم يوجد ووضع عليه الرصد بكل مكان ودخل بيت سفيان بن حيان العمي وكان معروفا بصحبته فتحيل على خلاصه بأن أتى المنصور وقال: أنا آتيك بإبراهيم فأحملني وغلامي على البريد وابعث معي الجند ففعل وجاء بالجند إلى البيت وأركب معه إبراهيم في زي غلامه وذهب بالجند إلى البصرة ولم يزل يفرقهم على البيوت ويدخلها موهما أنه يفتشه حتى بقي وحده فاختفى وطلبه أمير البصرة سفيان بن معاوية فأعجزه وكان قدم قبل ذلك الأهواز فطلبه محمد بن حصين واختفى منه عند الحسن بن حبيب ولقي من ذلك غيا ثم قدم إبراهيم البصرة سنة خمس وأربعين بعد ظهور أخيه محمد بالمدينة يحيى بن زياد بن حيان النبطي وأنزله بداره في بني ليث فدعاالناس إلى بيعة أخيه وكان أول من بايعه نميلة بن مرة العبسي وعبد الله بن سفيان وعبد الواحد بن زياد وعمر بن سلمة الهجيمي وعبد الله بن حي بن حصين الرقاشي وبثوا دعوته في الناس واجتمع لهم كثير من الفقهاء وأهل العلم وأحصى ديوانه أربعة آلاف واشتهر أمره ثم حولوه إلى وسط البصرة ونزل دار أبي مروان مولى بني سليم في مقبرة بني يشكر ليقرب من الناس وولاه سفيان أمير البصرة على أمره وكتب إليه أخوه محمد يأمره بالظهور وكان المنصور بظاهر وأرسل من القواد مددا لسفيان علي إبراهيم إن ظهر ثم إن إبراهيم خرج أول رمضان من سنة خمس وأربعين وصلى الصبح في الجامع وجاء دار الإمارة بابن سفيان وحبسه وحبس القواد معه وجاء جعفر ومحمد ابنا سليمان بن علي في ستمائة رجل وأرسل إبراهيم إليها المعين بن القاسم الحدروري في خمسين رجلا فهزمهما إلى باب زينب بنت سليمان بن علي وإليها ينسب الزينبيون من بني العباس فنادى بالأمان وأخذ من بيت المال ألفي ألف درهم وفرض لكل رجل من أصحابه خمسين ثم أرسل المغيرة على الأهواز في مائة رجل فغلب عليها محمد بن الحصين وهو في أربعة آلاف وأرسل عمر بن شداد إلى فارس وبها إسمعيل وعبد الصمد ابنا علي فتحصنا في دار بجرد وملك نواحيها فأرسل هرون بن شمس العجلي في سبعة عشر ألفا إلى واسط فغلب عليها هرون بن حميد الإيادي وملكها وأرسل المنصور لحربه عاكمر ابن إسمعيل في خمسة آلاف وقيل في عشرين فاقتتلوا أياما ثم تهادنوا يروا مآل الأميرين المنصور وإبراهيم ثم جاء نعي محمد إلى أخيه إبراهيم قبل الفطر فصلى يوم العيد وأخبرهم فازدادوا حنقا على المنصور ونفر في حره وعسكر من الغد واستخلف على البصرة غيلة وابنه حسنا معه وأشار عليه أصحابه من أهل البصرة بالمقام وإرسال الجنود وأمدادهم واحدا بعد واحد وأشار أهل الكوفة باللحوق إليها لأن الناس في انتظارك ولو رأوك ماتوانوا عنك فسار وكتب المنصور إلى عيسى بن موسى بإسراع العود وإلى مسلم بن قتيبة بالري وإلى سالم بقصد إبراهيم وضم إليه غيرها من القواد وكتب إلى المهدي بإنفاذ خزيمة بن خازم إلى الأهواز وفارس والمدائن وواسط والسواد وإلى جانبه أهل الكوفة في مائة ألف يتربصون به ثم رمى كل ناحية بحجرها وأقام خمسين يوما على مصلاه ويجلس ولم ينزع عنه جبته ولا قميصه وقد توسخا ويلبس السواد إذا ظهر للناس وينزعه إذا دخل بيته وأهديت له من المدينة إمرأتان فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله وأمه الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بن أسيد فلم يحفل بهما وقال: ليست هذه أيام نساء حتى أنظر رأس إبراهيم إلي أو رأسي له وقدم عليه عيسى بن موسى فبعثه لحرب إبراهيم في خمسة عشر ألفا وعلى مقدمته حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف وسار إبراهيم من البصرة ومائة ألف حتى نزلا بازاء عيسى بن موسى على ستة عشر فرسخا من الكوفة وأرسل إليه مسلم بن قتيبة بأن يخندق على نفسه أو يخالف إلى المنصور فهو في حف من الجنون ويكون أسهل عليك فعرض ذلك إبراهيم على أصحابه فقالوا: نحن هرون وأبو جعفر في أيدينا! فأسمع ذلك رسول سالم فرجع ثم تصافوا للقتال وأشار عليه بعض أصحابه أن يجعلهم كراديس ليكون أثبت والصف إذا انهزم بعضه تداعى سائره فأبى إبراهيم إلا الصف صف أهل الإسلام ووافقه بقية أصحابه ثم اقتتلوا وانهزم حميد بن قحطبة وانهزم معه الناس وعرض لهم عيسى يناشدهم الله والطاعة فقال لهم حميد: لا طاعة في الهزيمة ولم يبق مع عيسى إلا فل قليل فثبت واستمات وبينما هو كذلك إذ قدم جعفر ومحمد بن سليمان بن علي وجاء من وراء إبراهيم وأصحابه فانعطفوا واتبعهم أصحاب عيسى ورجع المنهزمون من أصحابه بأجمعهم اعترضهم إمامهم فلا يطيقون ومخافة ولا وثوبه فانهزم أصحاب إبراهيم وثبت هو في ستمائة أو أربعمائة من أصحابه وحميد يقاتله ثم أصابه سهم بنحره فأنزلوه واجتمعوا عليه وقال حميد شدوا على تلك الجماعة فاحصروهم عن إبراهيم وقطعوا رأسه وجاؤا به إلى عيسى فسجد وبعثه إلى المنصور ذلك لخمس بقين من ذي القعدة الحرام سنة خمس وأربعين ولما وضع رأسه بين يدي المنصور بكى وقال: والله أني كنت لهذا كارها ولكني ابتليت بك وابتليت بي ثم جلس للعامة فأذن للناس فدخلوا ومنهم من يثلب إبراهيم مرضاة للمنصور حتى دخل جعفر بن حنظلة النهراني فسلم ثم قال: عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك وغفر له ما فرط فيه من حقك فتهلل وجه المنصور وأقبل عليه وكناه بأبي خالد واستدناه.